الأحد، 7 أكتوبر 2018

ماذا تعرف عن الاعلام الفلسطيني؟


الإعلام الفلسطيني

( 1876 - 1948 م )


مقدمة:
عرف الإعلام منذ القدم كجزء من نشاطات المجتمعات الإنسانية، وقد بدأ تطوره التلقائي من حيث شكله ومضمونه تبعًا لتطور تلك المجتمعات وتقدمها، وذلك قبل أن يصل إلى مرحلة التبلور المفاهيمي المحدد وفق الضوابط والأسس والقواعد العلمية والمهنية المتعارف عليها ألان.


  • يمثل الإعلام المنبر الجماهيري الأضخم للتعبير عن أراء المواطن وهمومه، وعرض شكواه وقضاياه، فهو يلعب دورًا بارزًا ومهمًا في بناء المجتمعات وتشكيل الرأي العام وتوجيه المواقف والاتجاهات عند الفرد والجماعات. فلإعلام في أي مجتمع من المجتمعات يؤثر ويتأثر بالنظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فما هو إلا انعكاس للبيئة التي ينبع فيها. ومع تطور المجتمعات الإنسانية بدأ الإعلام يتطور وفق الحاجة إلى التوصل ونقل المعرفة، بل ووضعت الضوابط والقوانين العامة التي تحكم لغة الخطاب الإعلامي.


وبدأت الثورة للإعلام مع اختراع الطباعة، وهو العصر الذي جاء مع نهوض أيديولوجيات سياسية واجتماعية وفكرية مختلفة، فانتشرت المنشورات التي يتسلمها الإنسان بشكل شخصي وأصبح الإنتاج بكم هائل قبل أن يتحول هذه الصناعة إلى صحف وكتب يقتنيها الإنسان مقابل أن يدفع مالًا مقابل هذا.

وأدى التطور المتسارع في المجال الإعلامي إلى جعل الإعلام من أهم المكونات الأساسية التي تعتمد عليها الدول في بنائها السياسي والاجتماعي والاقتصادي في كثير من الأحيان. لذلك فلا غرابة بأن يتم التعامل مع الصحافة على أنها ذات أهمية خاصة في المجتمع، بل وأنها السلطة الأقوى في بعض الدول والأنظمة في العالم على اعتبارها السلطة الرابعة أو صاحب الجلالة.

الصحافة الفلسطينية:
شهد القرن الخامس عشر ثورة عظيمة في رسائل نشر المعلومات وتداولها ولا سيما بعد توصل العالم الألماني جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر عام 1456م إلى اختراع المطبعة وما تلاها من تطور وانتشار للصحافة العالمية ما أسدل بغطائه على الصحافة العربية رغم أن انتقال الطباعة والمطبعة إلى عالمنا العربي جاء بعد قرنين من اختراع جوتنبورج للمطبعة.

أما بالنسبة لفلسطين التي هي موضع دراستنا نستطيع أن نقول أن فلسطين تعد من أقدم الدول العربية التي عرفت الطباعة حيث دخلتها عام 1830م على يد "اليهودي" نسيم باق ومرت بتجاربها المبكرة ويعود ذلك إلى مركزها الديني المهم باعتبارها مهبط الديانات. وان هذا الاهتمام بالطباعة يعكس الاهتمام بالصحافة باعتبارها الأداة الإعلامية المتاحة والصور المعبر عن أراء الجماهير والطوائف من ناحية والحكومات من ناحية أخرى وكان هذا الاهتمام ابتداء من عام 1876م. ولقد عرفت فلسطين الصحافة في وقت مبكر مع العالم العربي التي تنطوي تحت لوائه واحتلت المركز الخامس وهذا في حد ذاته يعد شاهد على معرفتها للصحافة مبكرًا بعد مصر والتي عرفتها عام 1798م ولبنان التي عرفتها عام 1858م وسوريا عام 1865م والعراق عام 1869 م.

وتشير معظم الدراسات، التي قام بها الباحثون بتاريخ الصحافة الفلسطينية ونشأتها إلى أن بداية الصحافة الفلسطينية، كانت عام 1876م، مع صدور صحيفة القدس الشريف، وكانت في ذلك الوقت تحت إشراف الحكومة العثمانية حيث كانت الصحيفة الرسمية الأولى وتصدر بصفة شهرية.

لقد عاشت فلسطين فترات قاسية جدًّا، عاني الشعب فيها ومفكروه ورواده الكثير من الظلم والقهر، ورغم ذلك شقت الحياة الثقافية والتعليمية والحركة الفكرية في فلسطين طريقها في سبيل النهوض لواقع، وسط هذه الحياة المكتظة بالعوائق، فعرفت الطباعة، والصحافة، والتعليم، والثقافة، وطورتها.

هذه المعرفة لم تأت من فرغ حيث أن تصميم الإنسان وقوة العزيمة والإرادة لا تكافي في مثل هذه الحالات المعقدة، بل تشكلت مجموعة من العوامل لعبت دورًا مهمًا وقويًا في إحياء الحياة الفكرية في فلسطين ومنها الصحافة، ومن ابرز هذه العوامل:
1- انتشار بعض المدارس وخاصة بعد عام 1908م تعلم وتدرس اللغة التركية والعربية، حيث ساهمت في أحياء اللغة العربية، وعودتها للمكانة السامية القديمة.

2- انتشار العديد من الأندية والجمعيات الثقافية التي أدت إلى إيجاد محاور ثقافية واعية.

3- انتشار المطابع على يد اليهود والنصارى، والتي تمثل نواة الصافة الفلسطينية.

4- الاتصال بالتيارات الفكرية الحديثة عبر البعث العلمية والطلابية لأوروبا.

5- نشاط حركة الترجمة والاستفادة من الميراث العلمي العربي.

وإضافة لهذه العوامل الرئيسية فإن البعض أضاف عليها عوامل مهمة، مثل:
6- قدوم الحملة الفرنسية من مصر والشام (1798م - 1801م) وما لعبته من دور إدخال للطباعة واستخدام الصحافة في العالم العربي.

7- الإرساليات التبشيرية في البلاد العربية وما صاحبها من تبادل ونقل الإخبار.

ومنذ نشأتها مرت الصحافة الفلسطينية بالعديد من المراحل المختلفة حيث تأثرت كل مرحلة بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية المختلفة والمتعاقبة على فلسطين،ولقد مرت الصحافة الفلسطينية بمراحل خمس، وهي:
المرحلة الأولى: مرحلة النشأة في ظل العهد العثماني ( 1876-1918م).

المرحلة الثانية: مرحلة الانتداب البريطاني (1918-1948م).

المرحلة الثالثة: مرحلة خضوع الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الحكمين الأردني والمصري (1948-1967م ).

المرحلة الرابعة: مرحلة الاحتلال الإسرائيلي (1967-1994م).

المرحلة الخامسة: مرحلة دخول السلطة الوطنية الفلسطينية (1994-حتى ألان ).

ومن خلال هذا التقرير سنسلط الضوء على المرحلتين الأولى والثانية.
المرحلة الأولى: مرحلة النشأة في ظل العهد العثماني ( 1876-1918م):
كانت الحكومة العثمانية هي أول صاحب امتياز لأول مطبوعة صحفية تصدر في فلسطين، وقد أصدرت في مدينة القدس عام 1876م صحيفتي " القدس الشريف " و" الغزال " وكانت الأولى باللغتين التركية والعربية، وفي حين كانت الثانية باللغة العربية فقط، وقد اقتصرت مهمة كل منهما على نشر الفرمانات والأوامر التركية. إلا انه اعتبر عام 1908م البداية الحقيقية للصحافة في فلسطين، حيث ازدادت نشأت الطباعة، وانطلقت حرية الصحافة، ففي هذا العام وحده، صدرت خمس عشرة صحيفة ومجلة، ومنها اثنتا عشر صحيفة في القدس وثلاث في حيفا. ويمكن القول إجمالًا أن عدد الصحف الصادرة في العهد العثماني، بدءًا بصحيفة القدس الشريف عام 1876م، إلى ما قبل فترة الانتداب البريطاني، بلغ أربعين صحيفة، منها السياسية والأدبية والهزلية. والواقع أن هذا العدد من الصحف في بلد قليل السكان ونسبة الأمية كانت مرتفعة يفترض أنه ظاهرة سلبية إلا أنه يعكس في حقيقة الأمر برغبة جماهيرية نحو التحرر والتطور الاجتماعي والتقدم. وتوزعت أماكن صدور الصحف في كل من القدس، ويافا، وحيفا،دون بقية المناطق الأخرى، ويعزي ذلك إلى وجود المطابع وتوفرها في تلك المدن أنداك.

تميزت فترة العهد العثماني بانتشار الجهل والفقر والتخلف، وتفشى الظلم والفساد والتسلط، مما أدى إلى استحالة التمهد لأي ظروف تساعد لنشأة صحافة حرة، وبقيت هذه الحالة على هذه الصورة حتى قامت جمعية تركيا الفتاه وجمعية الاتحاد والترقي، التي نجحت في انقلابها العسكري وأجبرت السلطان عبد الحميد في العام 1908م على إعادة العمل بالدستور وإلغاء الرقابة. وقامت الصحافة الفلسطينية في تلك الفترة بخدمة الحاجات المحلية في البلاد وأدت إلى تقوية الروح المعنوية والإحساس بالوعي القومي، والوطني، والقياد بدور بارز في بعث النهضة بين الجماهير.

ولكن تنبهت الدولة العثمانية سريعًا لما شهدته الولايات العربية من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية بفعل التغلغل ألأربي، فعمدت إلى سن القوانين والتشريعات التي تقف في وجه ذلك بغية إعادة اللحمة إلى العلاقات العربية - التركية. فسارع السلطان عبدالعزيز المعروف بنزعته الإصلاحية لإصدار تشريعات التعليم في الوطن العربي، الأمر الذي أدى إلى زيادة أعداد المثقفين والدارسين الذين أصبحوا يشكلون شريحة أساسية للتعامل مع الصحافة قراءة لها وكتابة فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق